إن القارىء لسيرة الرسول
صلى الله عليه وسلم يعلم يقينا بأنه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج إلا بعد
أن بلغ الخامسة والعشرين من العمر.
والثابت كذلك أن الزواج المبكر كان من أعراف المجتمع الجاهلى .
ومن
الثابت كذلك فى سيرته الشخصية صلى الله عليه وسلم اشتهاره بالاستقامة
والتعفف عن الفاحشة والتصريف الشائن الحرام للشهوة ، رغم امتلاء المجتمع
الجاهلى بشرائح من الزانيات اللاتى كانت لهن بيوت يستقبلن فيها الزناة
ويضعن عليها " رايات " ليعرفها طلاب المتع المحرمة.
ومع هذا كله ـ
مع توفر أسباب الانحراف والسقوط فى الفاحشة فى مجتمع مكة ـ لم يُعرَف عن
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلا التعفف والطهارة بين جميع قرنائه ؛
ذلك لأن عين السماء كانت تحرسه وتصرف عنه كيد الشيطان.
ويُرْوَى فى
ذلك أن بعض أصحابه الشباب أخذوه ذات يوم إلى أحد مواقع المعازف واللهو
فغشَّاه الله بالنوم فما أفاق منه إلا حين أيقظه أصحابه للعودة إلى دورهم.
والمعروف أيضا أن من يكون
الجنس هو همه وشغله فإنه يبحث عنه فى حرام كان أو حلال ولا يعقل أن يصل
عمره صلى الله عليه وسلم للخامسة والعشرين بدون زواج أو أى إنحراف على
الرغم من أن أقرانه يمارسون الجنس منذ بلوغهم الثانية عشر على الأكثر سواء
كان ذلك بالزواج أو عن طريق آخر.
هذه واحدة..
أما الثانية فهى
أنه حين بلغ الخامسة والعشرين ورغب فى الزواج لم يبحث عن " البكر " التى
تكون أحظى للقبول وأولى للباحثين عن مجرد المتعة. وإنما تزوج امرأة تكبره
بحوالى خمسة عشر عامًا ، ثم إنها ليست بكرًا بل هى ثيب ، ولها أولاد كبار
أعمار أحدهم يقترب من العشرين ؛ وهى السيدة خديجة ، وفوق هذا كله فمشهور
أنها هى التى اختارته بعد ما لمست بنفسها ـ من خلال مباشرته لتجارتها ـ من
أمانته وعفته وطيب شمائله صلى الله عليه وسلم.
والثالثة أنه صلى
الله عليه وسلم بعد زواجه منها دامت عشرته بها طيلة حياتها ولم يتزوج
عليها حتى مضت عن دنياه إلى رحاب الله. وقضى معها - رضى الله عنها - زهرة
شبابه وكان له منها أولاده جميعًا إلا إبراهيم الذى كانت أمه السيدة "
مارية " القبطية.
والرابعة أنه صلى الله عليه وسلم عاش عمره بعد
وفاتها - رضى الله عنها - محبًّا لها يحفظ لها أطيب الذكريات ويعدد مآثرها
وهى مآثر لها خصوصية فى حياته وفى نجاح دعوته فيقول فى بعض ما قال عنها: [
صدقتنى إذ كذبنى الناس وأعانتنى بمالها ]. بل كان صلى الله عليه وسلم لا
يكف عن الثناء عليها والوفاء لذكراها والترحيب بمن كن من صديقاتها
فمالذى كان سيمنعه من الزواج؟
وبخصوص تعدد زوجاته بعد وفة السيدة خديجة فإن أسباب ذلك يرجع لما يلى
مبدأيا يجب أن نعلم أن عمره
صلى الله عليه وسلم فى أول زواج له بعد وفاة السيدة خديجة تجاوز الخمسين
وهى السنّ التى تنطفىء فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية بدنيًّا ،
وتقل فيها الحاجة الجنسية إلى الأنثى وتعلو فيها الحاجة إلى من يؤنس
الوحشة ويقوم بأمر الأولاد والبنات اللاتى تركتهم خديجة - رضى الله عنها
كما ننوه
بأن
فى هذه المرحلة المهمة إنتهت فترة الدعوة وبدأت فترة جديدة وهى التشريع
للأمة الوليدة ومما هو معلوم أن التشريع يكون للرجال والنساء فكانت حكمته
تعالى فى ضرورة تعدد زوجات رسوله صلى الله عليه وسلم لتكون زوجاته هن من
يعلمن نساء المسلمين الفقه فى الدين وتوطيد شرع الله عز وجل بدون خجل أو
حواجز تمنع نساء المسلمين من سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم فى أمور هى
فى الواقع من أشد خصوصيات النساء مباشرة لذلك عاشت نساء الرسول صلى الله
عليه وسلم وكل منهن تقوم بدورها بعد موته صلى الله عليه وسلم لتكمل كل
واحدة مانقص عند الأخرى
هذا بإختصار وإيجاز شديدين سبب تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم